سياسة العلوم والتقانة والابتكار لتحقيق النمو الاقتصادي في سورية بعد الحرب – الباحث علي معروف

الباحث علي فيصل معروف*
رسالة أعدت لنيل درجة الماجستير في مجال إدارة الابتكار – المدرسة العليا للإقتصاد/موسكو

تؤكد نظريات النمو الاقتصادي الحديثة على أهمية دور التقدم العلمي والتقني في رفع نسب هذا النمو وتحقيق استدامته. شجّع الدور المتزايد للعلوم والتقانة والابتكار في تحقيق التطور الاقتصادي العديد من الدول المتطورة والنامية على تأسيس البنى الإدارية ووضع الاستراتيجيات والخطط اللازمة لتعزيز دور التقدم العلمي والتقني في تحقيق التطور الاقتصادي في هذه الدول. تبع هذه النظريات ظهور مفهوم “منظومة الابتكار الوطنية” والتي تدل على المؤسسات العامة والخاصة التي تهدف أنشطتها وعلاقاتها إلى تطوير واستهلاك وتعديل ونشر التقانات الجديدة. يمكن لدراسة منظومة الابتكار الوطنية في بلد ما أن تعطي فكرة عن مستوى تطور المؤسسات التي تشكل عناصر هذه المنظومة والتحقق من أدائها لوظائفها ومستوى التعاون فيما بينها.

تعيش سورية منذ عام 2011 حرباً قاسية أدّت إلى تراجع كبير في الاقتصاد الوطني، فانخفض الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ وتراجعت قيمة العملة الوطنية. أدت هذه الحرب كذلك إلى تدمير كبير في البنية التحتية بما فيها الصناعية. تُحتِّم هذه الظروف توجيه جهود البلاد بعد الحرب إلى إنعاش الاقتصاد الوطني وإعادة إعمار البنية التحتية. إلا أن هذه العملية لا تتطلب فقط استثمارات مادية كبيرة وإنما أيضاً سياسات واستراتيجيات حكومية فعالة لتحديد أولويات عملية التنمية في مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها.

امتلكت سورية -حتى قبل الحرب- مؤشرات ضعيفة للتطور العلمي والتقني حيث عانت جميع قطاعات منظومة الابتكار الوطنية من مشاكل كبيرة كنقص الكوادر العلمية وضعف في البنية التحتية العلمية والابتكارية وانخفاض مستوى الأنشطة الابتكارية في قطاع الأعمال. على الرغم من كل المشاكل سابقة الذكر، والمتفاقمة بفعل الحرب، لابد لخطط التنمية الاقتصادية في مرحلة إعادة الإعمار أن تأخذ بعين الاعتبار قضية تطوير الإمكانات الوطنية العلمية والتقنية بهدف رفع مستوى مساهمة العلوم والتقانة في النمو الاقتصادي ما يساهم في ضمان استدامته.

تتلخص أهمية هذا البحث في إيجاد الآليات والأدوات التي يمكن من خلالها لسياسة العلوم والتقانة والابتكار السورية أن تساهم في تحقيق نمو اقتصادي وهو ما يعد أولوية في فترة ما بعد الحرب. للإجابة على هذا السؤال كان لا بد من العودة للمراجع العلمية ذات الصلة والتي تجاوز عددها الـ140 مرجعاً إضافةً إلى إجراء مقابلات مُعمَّقة مع ممثلي قطاعات منظومة الابتكار الوطنية بهدف تحليل الواقع الحالي في هذه القطاعات وتوجهات تطويره، حيث بلغ عدد هذه المقابلات 41 مقابلة مع ممثلي المؤسسات الحكومية المعنية ومؤسسات التعليم العالي إضافةً إلى عدد من ممثلي الشركات الخاصة.

يحتوي الفصل الأول من هذا البحث على ثلاث دراسات حالة لدول لكل من اليابان وكوريا الجنوبية وإيران. تهدف دراسة الحالة إلى تحديد وفهم مراحل تطور منظومة الابتكار الوطنية إضافةً إلى تحديد أهم أدوات سياسة العلوم والتقانة والابتكار المطبقة في هذه الدول بالاعتماد على التقارير والمراجع المتاحة بغرض الاستفادة من هذه الأدوات في صياغة التوصيات للحالة السورية. كذلك، بإجراء المقابلات المعمقة مع ممثلي قطاعات منظومة الابتكار الوطنية في سورية، والمراجع القليلة المنشورة المتعلقة بتطور مختلف مؤسسات منظومة الابتكار السورية، تم تحديد أهم التحديات والمشكلات التي تواجه عمل قطاعات المنظومة القديمة والناشئة بفعل الحرب إضافةً إلى مراجعة مراحل تطور منظومة الابتكار السورية والسياسات الحكومية المتعلقة. يقدم الفصل الثالث تحليلاً مكثفاً لحوكمة وإدارة منظومة الابتكار السورية وبنية المؤسسات المسؤولة عن ذلك.

سمحت المراحل السابقة للبحث بصياغة مجموعة من التوصيات الهادفة إلى تطوير عمل منظومة الابتكار الوطنية في سورية وقطاعاتها المختلفة. تتوزع هذه الاقتراحات على توصيات استراتيجية تتعلق بحوكمة منظومة الابتكار السورية على المستوى الوطني وآلية التعاطي مع التخطيط وتحديد الأولويات لمرحلة إعادة الإعمار. كذلك، توصيات متعلقة بتطوير آلية عمل منظومة التعليم العالي لتلبية الحاجات من الكوادر العلمية وتعزيز مساهمتها في البحث العلمي. إضافةً إلى توصيات حول آليات تعزيز دور الشركات الخاصة وريادة الأعمال في إجراء البحث العلمي وتطوير الابتكارات العلمية والتقنية.

تشكل مرحلة إعادة الإعمار ما بعد الحرب فرصةً كبيرة لإعادة صياغة السياسة الحكومية وتبني سياسات واستراتيجيات جديدة بهدف تحقيق النمو الاقتصادي، حيث بات من المسلم به في أمثلة الدول المدروسة الدور الحاسم للسياسات الحكومية في تعظيم مساهمة العلوم والتقانة في النمو الاقتصادي واستدامته.

 

 

يمكن تحميل البحث كاملاً من خلال الرابط التالي: 

بحث سياسة العلوم والتقانة والابتكار لتحقيق النمو الاقتصادي في سورية بعد الحرب – علي معروف

 

*خريج المركز الوطني للمتميزين، ويتابع دراساته العليا في روسيا

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إعلانات